لا جدال فى أن مجموعة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة والخاصة بتحريك أسعار المحروقات ورفع أسعار الطاقة كان لها تأثير سلبى بالغ على المواطن على الرغم من أننا نعلم مسبقًا بأنها آتية.. آتية وأنه لا تراجع عنها.. ولا مهرب منها على الإطلاق لأنها تأتى كخطوة ثانية ضمن إجراءات رفع الدعم نهائيًا عن الطاقة بحلول عام 2019.. وهى أيضًا تأتى ضمن إجراءات الإصلاح الاقتصادى الفعلى لتشجيع الاستثمارات وزيادة الإنتاج ومعدلات النمو وكلها كانت إجراءات صعبة لكنها كانت ضرورية من وجهة نظر الحكومة علينا أن نتحملها جميعًا. لكن المشكلة الحقيقية التى لا تريد أن تعترف بها الحكومة أن هذه الإجراءات جاءت نتيجة لتحريك سعر العملة وتعويم الجنيه وتركه للسوق الحر والعرض والطلب.. ويبدو أنها فوجئت كما فوجئ الجميع بأن فاتورة التعويم كانت فادحة لدرجة أنها أثرت على كل أسعار السلع والخدمات ويكفى أن نقول إن دعم الطاقة والكهرباء فاتورته ارتفعت من 115 مليار جنيه إلى 200 مليار جنيه نتيجة التعويم.. ورفع سعر الدولار من 8 جنيهًا إلى 18 جنيهًا وكان الحل الوحيد أمام الحكومة هو أن يتحمل المواطن فارق السعر بالتدريج وأنه بعد أن تحمل فارق الأسعار الرهيب منذ نوفمبر الماضى عليه أيضًا أن يتحمل أيضًا فاتورة إلغاء دعم الطاقة.. ورغم برامج الحماية الاجتماعية بزيادة العلاوات والمعاشات وزيادة برامج الحماية مثل تكافل وكرامة.. فإن هذه الزيادات التى بلغت ما يوازى 37 مليار جنيه لا توازى أكثر من 40% من فروق الأسعار. وهنا أحب أن أشير إلى تجربة اقتصادية مهمة خاضتها مصر منذ 30 عامًا تقريبًا.. فغير صحيح أن الإصلاح الاقتصادى تأخر 40 سنة منذ يناير 1977.. ولكن هناك إصلاحاً اقتصادياً حقيقياً قام به د.عاطف صدقى عندما تولى مسئولية الحكومة أواخر عام 1986.. وكانت الحالة الاقتصادية وقتها فى أسوأ حال.. وكانت هناك مشكلة حقيقية فى الدولار.. وكانت الحكومة تقترض من تجار العملة لتسديد الديون الخارجية.. وعندها فكر د.عاطف صدقى بأن قام برفع أسعار الفائدة على المدخرات من 8 و 9% إلى 16% وأنشأ بعدها شركات الصرافة وألغى أيضًا تجريم حيازة والاتجار فى العملة عاد الدولار إلى سعره الحقيقى وظل ثابتًا فترة طويلة فقضى تمامًا على السوق السوداء وأصبح الدولار متوفرًا بيعًا وشراءً لمن يطلبه وكان ذلك من أدوات الإصلاح الاقتصادى وقتها لأن السياسة النقدية هنا هى إحدى أدوات السياسة الاقتصادية لا تعمل بمعزل عنها.. وأن السياسة الاقتصادية يجب أن تقود السياسة النقدية وليس العكس، بعكس ما حدث فى نوفمبر 2016.. حيث جاء قرار التعويم دون دراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليه. وهنا أحب أن أشير إلى نقطة أخرى مهمة أنه صحيح أن هناك تدفقات نقدية دولارية تخطت الـ50 مليار دولار وفق ما أعلنه البنك المركزى ومنها زيادة تحويلات المصريين فى الخارج، وأيضًا هناك زيادة فى الاحتياطى الاستراتيجى وصل إلى 31.3 مليار دولار لأول مرة منذ ثورة يناير وهى من الأمور الإيجابية الحقيقية، مع أن معظم هذه الزيادات عبارة عن سندات دولارية لها مواعيد أستحقاق.. وليست ضمن الأصول الخاصة بنا.. لكن فى نفس الوقت لا أحد قال لنا ما هو حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة التى جنيناها فى ظل السياسة النقدية الجديدة.. ولا أحد قال لنا ما هى معدلات النمو والإنتاج لأنه فى النهاية كان يجب أن يصب هذا فى معدل تراجع سعر الصرف لأنه حتى الآن ورغم مرور ثمانية أشهر على التعويم ليس هناك تراجع حقيقى ومحسوس فى سعر الدولار ولا يتحرك بأقل من 18 جنيهًا ثم يعود، مع أن البنك المركزى أعلن أن الدولار سيعود لسعره الحقيقى خلال ثلاثة أشهر وربما سيعود إلى أقل من 14 جنيهًا فى خلال ستة أشهر، وتمضى الأشهر ولا يعود الدولار إلى سعره الحقيقى.. ويبدو والله أعلم أن السعر الحقيقى للجنيه هو المتداول فعلاً.. وهذا يعنى شيئًا واحدًا.. هو تراجع منظومة الإصلاح الاقتصادى. •
تطّورت المجتمعات الغربية وتشابكت. تعقّدت العلاقات وتعدّدت فى المجتمع الواحد. وأصبحت الحكومات تبحث عن بدائل لتطبيق أسلوبها السي..